Thursday, February 09, 2006

الرسوم المسيئة تعيد تقديس الهولوكست للواجهة


أفرزت أزمة الصور المسيئة للرسول الكريم محمد -عليه الصلاة والسلام- إشكالية حرية التعبير التي تذرعت بها بعض الصحف والحكومات الغربية وعلى رأسها الدانمارك، وما حدود هذه الحرية سواء داخل البلد أو في العلاقات مع الآخرين.
فبداية القصة في 30 سبتمبر/ أيلول 2005 إذ نشرت صحيفة (يولاندز بوسطن)، وهي من أوسع الصحف اليومية انتشارا في الدانمارك 12 رسما كاريكاتوريا بذيئا يسيء للنبي محمد، وشملت تعليقا لرئيس التحرير عبر فيه عن دهشته واستنكاره إزاء "القداسة التي يحيط بها المسلمون نبيهم"، واعتبر ذلك "ضربا من الهراء الكامن وراء جنون العظمة".
ودعا المسؤول التحريري عن الصحيفة إلى ممارسة الجرأة في كسر ذلك "التابو"، عن طريق فضح ما أسماه التاريخ المظلم لنبي الإسلام، وتقديمه إلى الرأي العام في صورته الحقيقية.
ورغم الضغوط الدبلوماسية للدول والمنظمات العربية والإسلامية إضافة إلى المقاطعة الاقتصادية والتظاهرات الشعبية تأبى حكومة الدانمارك تقديم اعتذار بحجة أن حرية التعبير مكفولة، ولا يحق لها الاعتذار عن صحيفة حرة. وكان المدعي العام قد رفض قضية رفعتها منظمات إسلامية معتبرا أن نشر الرسوم الكاريكاتورية تم في إطار حرية التعبير التي يحميها القانون.
وقد أدى هذا الفهم لحرية التعبير إلى استنكار واستغراب العديد من المسؤولين والقانونيين والهيئات والمؤسسات، إذ اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان أن حرية الصحافة ليست مطلقة، بل يجب أن تلازمها المسؤولية والتفكير السليم. كما اعتبر الفاتيكان أن حرية التعبير لا تعني حرية انتهاك المعتقدات الدينية.
الكاتب والمفكر فهمي هويدي أكد أن كل القوانين تجرم سب الأشخاص والقذف في حقهم، حيث لا يمكن أن يعد ذلك نوعا من حرية التعبير، لأن السب في هذه الحالة يعد عدوانا على شخص آخر، ومن ثم فأولى بالتجريم سب نبي الإسلام الذي يؤمن بنبوته ورسالته ربع سكان الكرة الأرضية.

"
د. سليمان صالح: من استباحوا الإساءة للنبي لا يستطيعون الاقتراب من التشكيك في العدد الذي تعرض للقتل من اليهود على يد هتلر
"
حرية تكيل بمكالين
واعتبر أستاذ الإعلام بجامعة قطر الدكتور سليمان صالح في مقابلة مع الجزيرة نت أن ما يتعرض له المسلمون من وسائل الإعلام الغربية هو حرية الظلم وليس حرية التعبير، لأن من استباحوا هذا الفعل لا يستطيعون الاقتراب من التشكيك في العدد الذي تعرض للقتل من اليهود على يد الزعيم النازي أدولف هتلر (الهولوكست) فضلا عن أن يهاجموا الصهيونية والعدوان الإسرائيلي على العرب عموما والفلسطينيين خصوصا.
وأشار إلى أن الباحثين الذين تعرضوا للهولوكست واجهوا إما القتل أو التهديد أو القتل المعنوي عبر القضاء على مستقبلهم السياسي أو العلمي.
وأكد صالح أن هذه الحرية تحولت إلى حرية الكيل بمكيالين، تخشى القوي وتستهدف الضعيف بما تشاء.
وجاء ذلك وسط تأكيدات العديد من القانونيين والعلماء بأن الحرية في أي مضمار بما في ذلك التعبير تقيد بالمسؤولية وليست منفلتة، إذ يقول المستشار والمفكر طارق البشري إن حرية الحركة لا تتيح اقتحام بيت الجار، وبالتالي فإن الحرية في التعبير لا تكفل سب الغير وأن ينسب له ما يشينه أو القذف في حقه.
ولا شك أن انفلات هذه الحرية من عقالها يجلب شرورا كثيرة داخل المجتمع، وتكون أخطر إذا ارتبطت بعقيدة يعتنقها نحو خمس سكان الأرض، إذ يمكن أن تفتح برأي الدكتور أحمد كمال أبو المجد الأبواب واسعة لإشعال حروب ثقافية لا مصلحة لأحد فيها، الأمر الذي يهيئ المناخ لإحلال القطيعة بين الشعوب والثقافات محل التواصل، والصراع محل التعاون، وليس معقولا أن يكون ذلك ما تسعى إليه حكومة الدانمارك التي ترفض الاعتذار.
_______________
الجزيرة نت