مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام
عرض/ مخلص الصيادي
عنوان الكتاب يغري بالقراءة والاهتمام، وحين يغوص القارئ في صفحاته فإنه يستشعر أهمية خاصة له تدفعه إلى التفكير في طروحاته والتعليق عليها، ورغم أن خطاب الكاتب موجه إلى المسلمين في الغرب فإن مواضيعه تذهب إلى المسلمين في كل مكان بغض النظر عن الجغرافيا أو الانتماء القومي والإقليمي، ويتضح أنه يتعامل بجد مع عالمية الرسالة.
والكاتب ذو شأن بين المفكرين الإسلاميين في الغرب، وفي أكثر من كتاب وبحث وجهد له جعل همه الرئيس التعامل مع واقع المسلمين في الغرب وما يواجهونه من تحديات، والكتاب مترجم من الإنكليزية، وفي أول تدقيق عام للنص تظهر أمام القارئ ملاحظتان.
|
- الكتاب: مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام |
الأولى: تتصل باستخدام بعض المصطلحات وتحديدا مصطلح "الحديث المشهور" في غير موضعه، وإيراد نصوص على أنها أحاديث وهي ليست كذلك مثل استشهاده بنص "الجنة تحت أقدام الأمهات" وقوله إنه حديث مشهور أو شهير، ومصطلح "حديث مشهور" هو أحد مصطلحات علم الحديث وله مدلول واضح، وما أطلق عليه هذا المصطلح هنا ليس حديثا أصلا حتى يكون مشهورا.
والثانية: تتصل بأسلوبه في الحديث عن الإسلام وعن النبي عليه السلام إذ لا يتبع أبدا اسم الرسول الكريم بألفاظ الالتزام أو التكريم، ونحن مأمورون بذلك تكريما لرسول الله وتكريما لأنفسنا أيضا، وحين يتحدث عن الإسلام أو عن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث في مواضع كثيرة بضمير الغائب "النبي يأمرهم ...".
وهو يرهق القارئ حين الاستشهاد بنص آية أو بعض آية، فيورد حينا المعنى ويورد حينا جزءا من الآية ويضع هذا وذلك بين قوسين، مما اضطر المترجم إلى أن يشير في هامش الصفحة إلى أن المؤلف يريد هنا الإشارة إلى هذه الآية أو تلك، وأفترض أن دافعه إلى ذلك الظهور بمظهر العقلانية الغربية، وإذا صح هذا التفسير فقد جانب الصواب.
بعد هذا المدخل أضع مطالعتي لهذا الكتاب في نقاط محددة تقف على أهم ما ورد فيه دون أن تدعي شمول كل مواضيعه وكذلك دون التزام بالترتيب الذي عرض فيه هذه المواضيع مع المحافظة على ترابطها وعلاقاتها الموضوعية والمنهجية.
نظرة شاملة
الكتاب يؤسس لما يعالجه من موضوعات، وإشكالات بإعادة قراءة الإسلام: أصوله وفكره، وهو إذ يشدد على ضرورة الالتزام بالأصول باعتبارها عنوان إسلامية الفرد فإنه ينظر إلى مجمل التراث الإسلامي والفقه الإسلامي باعتباره مجالا لرؤية إبداع المسلمين وعطاءاتهم وليس مجالا للالتزام. "
تقسيم الفكر الإسلامي العالم على أساس دار إسلام ودار حرب وبينهما دار مؤقتة هي العهد، لم تأت به المصادر الإسلامية وإنما هو تقسيم يتصل بالمرحلة ويعبر عن طبيعتها
"
إنه هنا لا يرفض هذا الإرث العظيم ولكنه يحرص على وضع فاصل واضح بين المقدس الملزم وغير المقدس، وهدفه توضيح الفضاء الذي على المسلم أن يعمل فكره واجتهاده فيه، وكمثال على هذا التفريق والتوضيح ذي الصلة بموضوعه فإنه يرى أن تقسيم الفكر الإسلامي العالم على أساس: دار إسلام، ودار حرب، وبينهما دار مؤقتة هي العهد، ليس تقسيما جاءت به المصادر الإسلامية، وإنما هو تقسيم يتصل بالمرحلة ويعبر عن طبيعتها، وفي توصيفه دار "الغرب" الراهن بالنسبة للمسلمين الغربيين وغيرهم فإنه يقترح دعوتها بـ"دار الشهادة " حيث المسلمون الغربيون شهود على الناس جميعا.
وهذه الدار تقترب على نحو ما من دار الدعوة التي توصف بها مكة في مطلع الدعوة الإسلامية، أو الحبشة حينما هاجر إليها المسلمون هجرتهم الأولى "فالمجتمع الغربي يضمن خمسة حقوق للمسلمين تجعلهم يشعرون وكأنهم في وطنهم وهي: حق ممارسة الإسلام، وحق اكتساب المعرفة، وحق إقامة تنظيمات, وحق التمثيل الذاتي، وحق اللجوء إلى القانون.
الاندماج والمحافظة
والكاتب وهو ينظر إلى المسلمين في الغرب لا يريد أن يراهم أقلية في مجتمع ذي أكثرية غير مسلمة، ولا مهاجرين يمكن أن يعيشوا في منعزلات ويناضلوا للحصول على امتيازات، وإنما ينظر إليهم باعتبارهم مسلمين غربيين في مجتمعاتهم الغربية. إنه لا يريد منهم أن يهجروا مجتمعاتهم إلى ديار الأغلبية الإسلامية، ولا يريد لهم أن يهاجروا إلى ذواتهم ودواخلهم فينعزلوا، وإنما يريد لهم أن يتحركوا في هذه المجتمعات باعتبارها مجتمعاتهم، وباعتبارهم مسؤولين عنها ويرى أن على المسلمين أن يحققوا هذا الحضور في مختلف أوجه تحركهم ونشاطهم بدءا من توجيه زكوات أموالهم إلى فقراء المسلمين في المجتمعات الغربية وصولا إلى الانخراط في المدارس والجمعيات والأحزاب السياسية.
وهو يرى أن ذلك متاح جدا في هذه المجتمعات حيث تضمنه في الغالب دساتير هذه البلاد وقوانينها على الرغم من مظاهر التمييز والعنصرية التي نراها هنا وهناك في أوقات مختلفة، لكنه حين يقدم هذه الرؤية لا يطلب من المسلم الغربي أن يذوب في هذه المنظمات والحركات، وإنما أن يتحرك معها ومن خلالها مع المحافظة التامة على كونه مسلما، وعلى تجسيده قيم الإسلام في سلوكه وأخلاقه ومحرماته.
أسئلة عميقة وملحة
ويثير الكاتب أسئلة عميقة وملحة تواجه المسلم في المجتمعات الغربية ولا بد من البحث لها عن جواب من مصدري التشريع الرئيسيين: الكتاب والسنة، ومن هذه الأسئلة ما يخص الولاء للدولة الغربية الذي هو جزء منها، والولاء بالطبيعة يعبر عن مضمون المواطنة ويسلط الضوء على مظاهر التناقض بين مفهوم المواطنة ومفهوم الولاء الإسلامي كما تبسطه كتب الفقه والأصول، وهو يرى إمكانية توليد مفهوم وسط يحقق المقصدين معا. "
على المسلمين في مجتمعاتهم الغربية أن يكونوا "صوت من لا صوت له" مدافعين عن الحق والقانون والعدالة ومحاربة البطالة والعنف والظلم داخل مجتمعاتهم وفي كل العالم, وهذه فريضة أخلاقية على المسلم
"
ويشير إلى أن قوانين عدد من المجتمعات الغربية أصبحت تعترف بحق الامتناع عن عدد من الواجبات بسبب عقدي، ويقول إن على المسلم أن يعزز بنضالاته هذا الجانب وأن يدفع ثمن ذلك كما دفع محمد علي كلاي يوما ثمن موقفه من التجنيد للحرب في فيتنام، ويستشهد من القرآن الكريم بموقف يوسف عليه السلام حينما خير بين الفاحشة والسجن فكان قوله "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه".
والكاتب يحقق مقاربة مبدعة ومقلقة في مسألة العولمة والتبعية ومكانة المسلم منهما، فهو يرى أن الإسلام يدعو المسلم إلى أن يقاتل بكل ما أوتي من قوة ضد السياسات الاقتصادية لمنظمة التجارة العالمية WOT وصندوق النقد الدولي IMF والبنك الدولي WB التي تدعم بفضل الاتفاقات الدولية والتغيرات البنيوية المعاناة الرهيبة المزمنة السائدة في المجتمعات، وعند هذا المشهد يرى محقا أن "العالم الإسلامي كله خاضع لاقتصاد السوق، حيث إن غالبية الدول الإسلامية "المغرقة في القمع" والحكومات الإسلامية كحكومة المملكة العربية السعودية وغيرها من حكومات النفط تعد أكثر الحكومات اندماجا اقتصاديا في النظام الليبرالي الجديد.
وهو يرى أن على المسلمين في مجتمعاتهم الغربية أن يكونوا "صوت من لا صوت له"، مدافعين عن الحق والقانون والعدالة ومحاربة البطالة والعنف والظلم داخل مجتمعاتهم وفي كل العالم ويؤكد أن هذه فريضة أخلاقية على المسلم، إن هذه الرؤية إذ تستعيد من الذاكرة مفهوم حلف الفضول فإنها تستعيد من الواقع القريب المفهوم الذي ولد حركة عدم الانحياز.
وفي إطار حديثه عن رؤية الإسلام للحاجات الاجتماعية التي على المسلم أن يلتزمها تجاه أبناء مجتمعه والتي تمثل جوهر الموقف الاجتماعي لهذا الدين يقف أمام سبعة أمور يعد احترامها وتوفيرها أمرا ضروريا هي: "حق العيش الكريم، وتكوين أسرة، والسكن اللائق، والحق في التعليم والمعرفة ووسائطهما، وحق العمل، وحق العدالة، وحق التضامن والتكافل الاجتماعي".
ويؤكد أن هذه الحقوق وما يتصل بها يجب أن تمثل التزاما للمسلم في المجتمع الغربي وفي غيره، وأن تكون فضاءه النضالي والسياسي حيث هو.
محاولات توفيقية وليست جذرية
رغم كل جهود الكاتب في اقتحام المجالات الصعبة فإن بعض محاولاته كانت توفيقية وليست جذرية ولعل السبب في ذلك هو رغبة كامنة في الاستناد إلى ما أنجزه الفكر الإسلامي التقليدي أو الحديث والمعاصر، وليس في تقديم الجديد أو طرح المشكلة في عمقها الحقيقي كما فعل في موضوعات أخرى مثل طرحه مفهوم دار الشهادة مقابل دار الحرب أو دار العهد، فالحديث عن المواطنة والديمقراطية والعمل السياسي كله يأتي في إطار محاولة اختراق هذه المفاهيم "العلمانية" المدانة إسلاميا، وليس في إطار التحقق مما إذا كانت هذه المفاهيم فعلا مفاهيم علمانية، أم أنها نتاج تطور إنساني وتعبير عن سنن اجتماعية على المسلم أن يأخذ بها مأمورا من الله جل وعلا واضع السنن ومسيرها. "
تعتبر دعوة المؤلف إلى تجاوز مفهوم فقه الأقليات معقولة جدا بالنظر إلى رفضه الأصيل لاعتبار أن المسلمين في الغرب مجرد أقلية، لكن في المقابل من غير المفهوم دعوته لاستقلال الغرب الإسلامي عن الشرق الإسلامي
"
كذلك فإن بعض الحلول التي ذهب إليها جاءت أقرب إلى التعاطي القلق مع المسألة منها إلى طرح حل واضح، ومن أمثلة ذلك تعاطيه مع مسألة الربا، حيث استدل عليها بصنيع مسلمي جنوب أفريقيا من الهنود، ونتائج هذا الصنيع.
وتعتبر دعوته إلى تجاوز مفهوم فقه الأقليات معقولة جدا بالنظر إلى رفضه الأصيل لاعتبار أن المسلمين في الغرب مجرد أقلية، لكن بالمقابل من غير المفهوم دعوته إلى استقلال الغرب الإسلامي عن الشرق الإسلامي فكريا وماليا وسياسيا. أما الاستقلال المالي فهو أمر مدرك في هذا الظرف، وأما الحديث عن الاستقلال الفكري فهو أمر غريب لأن المطلوب هو المساهمة الفكرية للمسلمين بالغرب في تطور الفكر الإسلامي وليس الاستقلال عنه.
وفي مقاربته بعض قضايا العقيدة الإسلامية نجد أيضا غموضا واضطرابا، وأبرز ذلك حديثه عن حوار الأديان ومحاولته تفسير بعض آي القران الكريم الخاصة بتوصيف اليهود والنصارى واعتقاداتهم، فقد رضي أن يذكر بأن العلماء الذين قالوا بالنسخ في قوله تعالى "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" لم ينتبهوا إلى أن أحكام النسخ لا تكون إلا في آيات التحريم والتكليف، لكنه نسي هذه الحقيقة حينما وقف عند قول الله تعالى "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، واعتبر أن هذه الآية اقتبست عمدا في زمن الاضطراب.
ولولا افتراض التباين في دلالة الألفاظ بين العربية ولغة الكاتب لأوحى إلينا النص بأن بعض التنزيل كان يأتي على ما يحب الناس أن يسوغوه في كل ظرف، ثم هل حوار الأديان حوار في العقائد أم حوار في مصالح الناس والمجتمع؟ نعتقد أن الأهم والأجدى أنه حوار في مصالح الناس والمجتمع، أما الحوار في العقائد فحوار نتائجه واهية، ومصداق ذلك قول الله تعالى "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس: 99. "
رؤية الحلول التي قدمها المؤلف جاءت من زاوية أن المسلمين في الغرب سنة فقط، رغم أنه ذكر المذهبين الزيدي والجعفري في توصيفه للاتجاهات الكبرى للمسلمين، لكنه لم يظهر أثر وجود هذين الاتجاهين في معالجاته
"
ولا يفوتني في الختام أن أذكر هنا أن الكاتب بذل جهده في توصيف قضايا المسلمين في الغرب، لكن رؤيته للحلول جاءت من زاوية أن المسلمين هناك سنة فقط، رغم أنه ذكر المذهبين الزيدي والجعفري في توصيفه للاتجاهات الكبرى للمسلمين، لكنه لم يظهر أثر وجود هذين الاتجاهين في معالجاته خصوصا أن هناك تجربة سياسية شيعية رائدة تمثلها إيران، وهناك خصوصية سياسية للشيعة تتصل بمفهوم المرجعيات
<< Home